للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خالقه، ولا ذكره، ولا آمن به، ولا أطاعه، فكما أن وجود العبد محض جوده وفضله ومنّته عليه، وهو المحمود على إيجاده؛ فتوابع وجوده كلها كذلك، ليس للعبد منها شيء، كما ليس له في وجوده شيء، فالحمد كله لله، والفضل كله له، والإنعام كله له، والحق له على جميع خلقه.

ومن لم ينظر في حقه عليه، ويرى تقصيره وعجزه عن القيام به فهو من أجهل الخلق بربه وبنفسه، ولا تنفعه طاعاته، ولا يُسمع دعاؤه.

قال الإمام أحمد: حدثنا حجّاج، حدثنا جَرِير بن حازم، عن وهب قال: بلغني أن نبي الله موسى - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ برجل يدعو ويتضرّع، فقال: يا ربّ، ارحمه فإني قد رحمته. فأوحى الله تعالى إليه: لو دعاني حتى تنقطع قواه (١) ما استجبت له حتى ينظر في حقي عليه (٢).

والعبد يسير إلى الله سبحانه بين مشاهدة منّته عليه ونعمه وحقوقه، وبين رؤية عيب نفسه وعمله وتفريطه وإضاعته، فهو يعلم أن ربّه لو عذّبه أشد العذاب لكان قد عدل فيه، وأن أقضيته كلها عدل فيه، وأن ما هو فيه من الخير فمجرد فضله ومنّته وصدقته عليه، ولهذا كان في حديث سيد الاستغفار: "أبوء لك بنعمتك عليَّ، وأبوء بذنبي" (٣)، فلا يرى نفسه إلا مقصِّرًا مذنبًا، ولا يرى ربَّه إلا محسنًا متفضّلًا.


(١) "ج": "ينقطع فؤاده"، والمثبت من النسخ الأخرى موافق لما في مصدر الخبر.
(٢) "الزهد" (٤٥١).
(٣) أخرجه البخاري (٦٣٠٦) من حديث شداد بن أوس.