للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حقيقة الإعاذة، ولم يثبتوا حقيقة الاستعاذة من العبد، بل الاستعاذة فعل الربِّ حقيقة، كما أن الإعاذة فعله.

وقد ضَلَّت الطائفتان عن الصراط المستقيم، وأصابت كل طائفة منهما فيما أثبتته من الحق.

فصل

ومن ذلك قوله تعالى: {(١٢٦) وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ} [النحل: ١٢٧]، وقول هود عليه السلام: {وَمَا تَوْفِيقِيَ إِلَّا بِاللَّهِ} [هود: ٨٨]، ومعلوم أن الصبر والتوفيق فعل اختياري للعبد، وقد أخبر أنه به سبحانه لا بالعبد، وهذا لا ينفي أن يكون فعلًا للعبد حقيقة، ولهذا أمر به وهو لا يأمر عبده بفعل نفسه سبحانه، وإنما يؤمر العبد بفعله هو، ومع هذا فليس فعله واقعًا به، وإنّما هو بالخالق لكل شيء، الذي ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، فالتصبير منه سبحانه وهو فعله، والصبر هو القائم بالعبد، وهو فعل العبد.

ولهذا أثنى على من سأله أن يصبِّره فقال تعالى: {وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (٢٥٠) فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة: ٢٥٠ - ٢٥١]، ففي الآية أربعة أدلة:

أحدها: قولهم: {أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا}، والصبر فعلهم الاختياري، فسألوه لمن (١) هو بيده ومشيئته وإذنه إن شاء أعطاهموه، وإن شاء منعهموه.


(١) كذا في الأصول: "فسألوه لمن"، ولم يظهر لي وجهها، فلعلها: "فسألوا من".