للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومحابها، فإذا فارقها كان انفساح روحه والشرح الحاصل له بفراقها أعظم بكثير، كحال من خرج من سجن ضيق إلى فضاء واسع موافق له؛ فإنها سجن المؤمن، فإذا بعثه الله يوم القيامة، رأى من انشراح صدره وسعته ما لا نسبة لما قبله إليه، فَشَرْح الصدر كما أنه سبب الهداية فهو أصل كل نعمة، وأساس كل خير.

وقد سأل كليمُ الرحمن موسى بن عمران ربَّه أن يشرح له صدره لما علم أنه لا يتمكن من تبليغ رسالته والقيام بأعبائها إلا إذا شرح له صدره.

وقد عدّد سبحانه من نعمه على خاتم أنبيائه ورسله شَرْح صدره له، وأخبر عن أتباعه أنه شَرَحَ صدورهم للإسلام.

فإن قلتَ: فما الأسباب التي تشرح الصدر، والتي تضيقه؟

قلتُ: السبب الذي يشرح الصدر: النور الذي يقذفه الله سبحانه فيه، فإذا دخله ذلك النور اتسع بحسب قوة النور وضعفه، وإذا فقد ذلك النور أظلم وتضايق.

فإن قلتَ: فهل يمكن اكتساب هذا النور، أم هو وَهْبي؟

قلت: هو وَهْبي وكَسْبي، واكتسابه أيضًا مجرد موهبة من الله تعالى، فالأمر كله لله، والحمد كله له، والخير كله بيديه، وليس مع العبد من نفسه شيء البتَّة، بل الله واهب الأسباب ومسبباتها وجاعلها أسبابًا، ومانحها من يشاء، ومانعها من يشاء، فإذا أراد بعبده خيرًا وفقه لاستفراغ وسعه وبذل جهده في الرغبة والرّهبة إليه، فإنهما مادتا التوفيق، فعلى قدر قيام الرغبة والرّهبة في القلب يحصل التوفيق.