للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولما كان القلب محلًّا للمعرفة والعلم والمحبة والإنابة، وكانت هذه الأشياء إنما تدخل في القلب إذا اتسع لها، فإذا أراد الله هداية عبده وسّع صدره وشرحه، فدخلت فيه وسكنته، وإذا أراد ضلاله ضيّق صدره وأحرجه، فلم يجد محلًّا يدخل فيه، فيعدل عنه ولا يساكنه، وكل إناء فارغ إذا دخل فيه الشيء ضاق به، وكلما أفرغت فيه الشيء ضاق، إلا القلب الليّن (١)، فكلما أُفْرِغ فيه الإيمان والعلم اتسع وانفسح، وهذا من آيات (٢) قدرة الرب تعالى.

وفي "الترمذي" وغيره (٣) عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا دخل النورُ القلبَ انفسح وانشرح"، قالوا: فما علامة ذلك يا رسول الله؟ قال: "الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل نزوله".

فَشَرْح الصدر من أعظم أسباب الهدى، وتضييقه من أسباب الضلال، كما أن شَرْحَه من أَجَلِّ النعم، وتضييقه من أعظم النقم، فالمؤمن مشروح الصدر منفسحه في هذه الدار على ما ناله من مكروهها، وإذا قوي الإيمان وخالط بشاشته القلوب كان على مكارهها أشرح صدرًا منه على شهواتها


(١) "اللين" من "ج".
(٢) "د": "باب" معجمة.
(٣) لم أقف عليه عند الترمذي ولم يعزه إليه أحد، وهو في "نوادر الأصول" للحكيم الترمذي كما في "تخريج أحاديث الكشاف" للزيلعي (٣/ ٢٠١).
والحديث أخرجه وكيع في "الزهد" (١٥)، وسعيد بن منصور في "التفسير" (٩١٨)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (٣٥٤٥٥)، من طرق عن عمرو بن مرة، عن أبي جعفر عبد الله بن مسور المدائني ـ وهو وضّاع ـ مرسلًا، قال ابن رجب: "هذا هو أصل الحديث، ثم وصله قوم، وجعلوا له إسنادًا موصولًا مع اختلافهم فيه"، انظر: "علل الدارقطني" (٥/ ١٨٩)، "شرح العلل" لابن رجب (٢/ ٧٧٢).