للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلت: لا تنقضها؛ لأن وجوده وإن كان خيرًا من عدمه فقد يستلزم وجوده (١) فوات محبوب له هو أحب إليه من وقوع هذا المأمور من هذا المعنى، وعدم المنهي وإن كان خيرًا من وجوده فقد يكون وجوده وسيلة وسببًا إلى ما هو أحب إليه من عدمه، وسيأتي تمام تقرير ذلك في باب اجتماع القدر والشرع وافتراقهما، إن شاء الله (٢).

والربّ سبحانه إذا أمر بشيء فقد أحبه ورضيه، وأراده إرادة دينية، وهو لا يحب شيئًا إلا ووجوده خير من عدمه، وما نهى عنه فقد أبغضه وكرهه، وهو لا يبغض شيئًا إلا وعدمه خير من وجوده، هذا بالنظر إلى ذات هذا وهذا، وأما باعتبار إفضائه إلى ما يحب ويكره فله حكم آخر.

ولهذا أمر سبحانه عباده أن يأخذوا بأحسن ما أُنزِل إليهم، فالأحسن هو المأمور به، وهو خير من المنهي عنه.

وإذا كانت هذه سنته في أمره وشرعه فهكذا سنته في خلقه وقضائه وقدره، فما أراد أن يخلقه أو يفعله كان أن يخلقه ويفعله خيرًا من أن لا يخلقه ولا يفعله، وبالعكس، وما كان عدمه خيرًا من وجوده فوجوده شر، وهو لا يفعله، بل هو منزّه عنه، والشر ليس إليه.

فإن قلت: فلِمَ خَلَقه وهو شر؟

قلت: خَلْقه له وفِعْله خير لا شر؛ فإن الخلق والفعل قائم به سبحانه، والشر يستحيل قيامه به، واتصافه به، وما كان في المخلوق من شر فلعدم


(١) هكذا في الأصول بإعادة: «وجوده».
(٢) وهو الباب التاسع والعشرون الآتي في (٣٧٧).