للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والذي قاده إلى ذلك قوله: إن المحبّة هي الإرادة والمشيئة، وإن كل ما شاءه الله فقد أراده وأحبّه. ومن لم يفرق بين المشيئة والمحبّة لزمه أحد أمرين باطلين لابدّ له من التزامه: إما القول بأن الله سبحانه يحب الكفر والفسوق والعصيان، أو القول بأنه ما شاء ذلك ولا قدره ولا قضاه، وقد قال بكل من المتلازمين طائفة، قالت طائفة: لا يحبها ولا يرضاها، فما شاءها ولا قضاها. وقالت طائفة: هي واقعة بمشيئته وإرادته، فهو يحبّها ويرضاها. فاشترك الطائفتان في هذا الأصل، وتباينا في لازمه.

وقد أنكر الله سبحانه على من احتج على محبته بمشيئته في ثلاثة مواضع من كتابه: في سورة الأنعام والنحل والزخرف، فقال تعالى: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ} [الأنعام: ١٤٨]، وكذلك حكى عنهم في النحل، ثم قال: {كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} [النحل: ٣٥]، وقال في الزخرف: {وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ} [الزخرف: ٢٠]، فاحتجوا على محبته لشركهم ورضاه به بكونه أقرّهم عليه، وأنه لولا محبته له ورضاه به لما شاءه منهم، وعارضوا بذلك أمره ونهيه ودعوة الرسل، وقالوا: كيف يأمرنا بشيء قد شاء منا خلافه؟ وكيف يكره منا ما قد شاء وقوعه؟ فلو كرهه لم يُمَكِّنّا منه، ولحال بيننا وبينه، فكذّبهم سبحانه في ذلك، وأخبر أن هذا تكذيب منهم لرسله، وأن رسله متفقون على أنه سبحانه يكره شركهم، ويبغضه ويمقته، وأنه لولا بغضه وكراهته له لما أذاق المشركين بأسه؛ فإنه لا يعذب عبده على ما يحبه.