للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القدرة والداعي: فهذا المعنى حق، ويكون حقيقة قولك: إن كان لازم الوجود عند القدرة والداعي كان لازم الوجود، وهذا لا فائدة فيه، وكونه لازمًا وواجبًا بهذا المعنى لا ينافي كونه مختارًا للعبد، مرادًا له، مقدورًا له، غير مُكْرَه عليه ولا مجبور، فهذا الوجوب واللزوم لا ينافي الاختيار.

ثم نقول: لو صحَّت هذه الحجة لزم أن يكون الربّ سبحانه مضطرًا على أفعاله، مجبورًا عليها بعين ما ذكرتَ من مقدماتها؛ فإنه سبحانه يفعل بقدرته ومشيئته، وما ذكرتَ من وجوب الفعل عند القدرة والداعي، وامتناعه عند عدمهما؛ ثابت في حقه سبحانه.

وقد اعترف أصحابك بهذا الإلزام، وأجابوا عنه بما لا يجدي شيئًا.

قال ابن الخطيب (١) عقيب ذكر هذه الشبهة: فإن قلتَ: هذا ينفي كونه فاعلًا مختارًا؟

قلتُ: الفرق أن إرادة العبد مُحْدَثة، فافتقرت إلى إرادة يحدثها الله؛ دفعًا للتسلسل، وإرادة البارئ قديمة، فلم تفتقر إلى إرادة أخرى (٢).

وردَّ هذا الفرق صاحب "التحصيل" (٣)، فقال: ولقائل أن يقول: هذا لا


(١) هو الفخر الرازي، ويقال له أيضًا: ابن خطيب الري، انظر: "تاريخ الإسلام" (١٣/ ١٣٧).
(٢) بنحوه في: "الأربعين" (١/ ٣٢٣)، "المطالب العالية" (٩/ ٢٧).
(٣) هو سراج الدين محمود بن أبي بكر الأرموي (٦٨٢ هـ)، و"التحصيل" مختصر من "المحصول" للرازي، انظر: "طبقات الشافعية الكبرى" (٨/ ٣٧١)، ولم أقف على موضع هذا الاعتراض من كلام الأرموي، وممن رد التقسيم المذكور القرافي في "نفائس الأصول في شرح المحصول" (١/ ٣٥٨).