للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يدفع التقسيم المذكور.

قلت: فإن التقسيم متردّد بين لزوم الفعل عند الداعي وامتناعه عند عدمه، وهذا التقسيم ثابت في حق الغائب والشاهد، وكون إرادة الربِّ تعالى قديمة من لوازم ذاته لا فاعل لها= لا يمنع هذا الترديد والتقسيم؛ فإن عند تعلقها بالمراد يلزم وقوعه، وعند عدم تعلقها به يمتنع وقوعه، وهذا اللزوم والامتناع لا يخرجه سبحانه عن كونه فاعلًا مختارًا (١).

ثم نقول: هذا المعنى لا يسمّى جبرًا ولا اضطرارًا؛ فإن حقيقة الجَبْر ما حصل بإكراه غير الفاعل له على الفعل، وحمله على إيقاعه بغير رضاه واختياره، والربّ تعالى هو الخالق للإرادة والمحبة والرضا في قلب العبد، فلا يسمّى ذلك جبرًا، لا لغة ولا عقلًا ولا شرعًا.

ومن العجب احتجاجك بالقدرة المُحْدَثة والداعي على أن الفعل الواقع بهما اضطراري من العبد، والفعل عندك لم يقع بهما، ولا هو فِعْل للعبد بوجه، وإنما هو عين فعل الله، وذلك لا يتوقف على قدرة من العبد ولا داع منه، ولا هناك ترجيح له عند وجودهما، ولا عدم ترجيح عند عدمهما، بل نسبة الفعل إلى القدرة والداعي كنسبته إلى عدمهما، فالفعل عندك عين (٢) فعل الله، فلا ترجيح هناك من العبد ولا مرجِّح، ولا تأثير ولا أثر، فالفعل للربِّ حقيقة عندك، فإذا كان واجبًا بقدرته ومشيئته ـ وذلك عين الجَبْر ـ لزمك أن يكون الربّ تعالى مجبورًا على أفعاله، وهذا مما لا محيد


(١) انظر: "شرح الأصول الخمسة" (٤١٥، ٤٢٢ - ٤٣١).
(٢) "د" "م" "ج": "غير" خطأ مفسد للمعنى، والتصويب من "ت".