عنه، أم تعني به أن تلك الحكمة نفسها غيرٌ له، وهو مستكمَل بها؟
فإن عنيت الأول فهو باطل؛ فإنه لا ربّ غيره ولا خالق سواه، ولم يستفد سبحانه من غيره كمالًا بوجه من الوجوه، بل العالم كله إنما استفاد الكمال الذي فيه منه سبحانه، وهو لم يستفد كماله من غيره، كما لم يستفد وجوده من غيره.
وإن عنيت الثاني فتلك الحكمة صفته سبحانه، وصفاته ليست غيرًا له، فإن حكمته قائمة به، وهو الحكيم الذي له الحكمة، كما أنه العليم الذي له العلم، والسميع الذي له السمع، والبصير الذي له البصر، فثبوت حكمته لا يستلزم استكماله بغيرٍ منفصِل عنه، كما أن كماله سبحانه بصفاته وهو لم يستفدها من غيره.
الجواب الثالث: أنه سبحانه إذا كان إنما يفعل لأجل أمر هو أحبّ إليه من عدمه؛ كان اللازم من ذلك حصول مراده الذي يحبّه، وفَعَل لأجله، وهذا غاية الكمال، وعدمه هو النقص؛ فإنّ من كان قادرًا على تحصيل ما يحبّه، وفَعَلَه في الوقت الذي يحب على الوجه الذي يحب= فهو الكامل حقًّا، لا مَن لا محبوب له، أو له محبوب لا يقدر على فعله.
الجواب الرابع: أن يقال: أنت ذكرت في كتبك أنه لم يقم على نفي النقص عن الله دليل عقلي، واتبعت في ذلك الجويني وغيره، وقلتم: إنما ننفي النقص عن الله عز وجل بالسمع وهو الإجماع، فلم تنفوه عن الله عز وجل بالعقول، ولا بنص منقول عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -، بل بما ذكرتموه من الإجماع، وحينئذ فإنما يُنفَى بالإجماع ما انعقد الإجماع على نفيه، والفعل بحكمة لم ينعقد الإجماع على نفيه، فلمْ تُجْمِع الأمة على انتفاء التعليل