للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولو لم يكن للباطل والكفر والشرك وجود فعلى أي شيء كانت كلمته ودعوته تعلو؟ فإن العلو أمر نسبي يستلزم عاليًا وما يُعلى عليه، وعلو الشيء على نفسه محال، والموقوف على الشيء لا يحصل بدونه.

يوضحه الوجه الثامن عشر: أن من عبوديته: العتق والصدقة والإيثار والمواساة والعفو والصفح والصبر وكظم الغيظ واحتمال المكاره، ونحو ذلك مما لا يتم إلا بوجود متعلَّقه وأسبابه، فلولا الرقّ لم تحصل عبودية العتق، والرقّ من أثر الكفر، ولولا الظلم والإساءة والعدوان لم تحصل عبودية الصبر والعفو والمغفرة وكظم الغيظ، ولولا الفقر والحاجة لم تحصل عبودية الصدقة والإيثار والمواساة، فلو ساوى بين خلقه جميعهم لتعطّلت هذه العبوديات التي هي أحب شيء إليه، ولأجلها خَلَق الجن والإنس، ولأجلها شرع الشرائع، وأنزل الكتب، وأرسل الرسل، وخلق الدنيا والآخرة.

كما أن ذلك من صفات كماله، فلو لم يقدّر الأسباب التي يحصل بها ذلك لفات هذا الكمال، وتعطّلت أحكام تلك الصفات كما مرّ.

يوضحه الوجه التاسع عشر: أنه سبحانه يفرح بتوبة عبده إذا تاب إليه أعظم فرح يُقدَّر، أو يخطر ببال، أو يدور في خَلَد، وحصول هذا الفرح موقوف على التوبة، الموقوفة على وجود ما يتاب منه، وما يتوقف عليه الشيء لا يوجد بدونه؛ فإن وجود الملزوم بدون لازمه محال، ولا ريب أن وجود هذا الفرح أكمل من عدمه، فمن تمام الحكمة تقدير أسبابه ولوازمه.

وقد نَبَّه أعلم الخلق بالله على هذا المعنى بعينه، حيث يقول في الحديث الصحيح: «لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون، ثم يستغفرون؛