للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل

فإن قيل: فأي لذة وأي خير ينشأ من العذاب الشديد الدائم الذي لا ينقطع ولا يفتر عن أهله، بل أهله فيه أبد الآباد، {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا} [النساء: ٥٦]، {لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا} [فاطر: ٣٦]، ولا يُخفَّف عنهم طرفة عين؟

قيل: لعمر الله هذا سؤال يُقَلْقِلُ الجبال، فضلًا عن قلوب الرجال.

وعن هذا السؤال أنكر من أنكر من المُقرِّين بالمعاد حكمة العزيز الحكيم، وردّ الأمر إلى مشيئة محضة لا سبب لها ولا غاية، وجَوّز على الله أن يعذب أهل طاعته وأولياءه، وينزلهم إلى أسفل الجحيم، وينعم أعداءه المشركين به، ويرفعهم إلى أعلى جنات النعيم أبد الآباد، وأن يدخل النار من يشاء بغير سبب ولا عمل أصلًا، وأن يفاوت بين أهلها مع تساويهم في الأعمال، ويسوّي بينهم في العذاب مع تفاوتهم في الأعمال، وأن يعذب الرجل بذنب غيره، وأن يبطل حسناته كلّها فلا يثيبه بها، أو يثيب بها غيره، كل ذلك جائز عليه، لا نعلم أنه لا يفعله (١) إلا بخبر صادق؛ إذ نسبة ذلك وضدّه إليه على حد سواء.

وقالوا: ولا مَخْلص عن هذا السؤال إلا بهذا الأصل.


(١) «م»: «أنه يفعله» بإسقاط حرف النفي.