للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الباب الثاني عشر

في ذكر المرتبة الثالثة من مراتب القضاء والقدر، وهي مرتبة المشيئة

وهذه المرتبة قد دلَّ عليها إجماعُ الرسل من أولهم إلى آخرهم، وجميعُ الكتب المنزلة من عند الله، والفطرةُ التي فَطَر عليها خلقه، وأدلةُ العقول (١) والعيان.

وليس في الوجود موجِب ومقتضٍ على الحقيقة إلا مشيئة الله وحده، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، هذا عمودُ التوحيد الذي لا يقوم إلا به، والمسلمون من أولهم إلى آخرهم مجمعون على أنه ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن.

وخالفهم في ذلك من ليس منهم في هذا الموضع، وإن كان منهم في موضع آخر، فجوزوا أن يكون في الوجود ما لا يشاء الله، وأن يشاء ما لا يكون.

وخالفَ الرسلَ كلَّهم وأتباعَهم مَن نفى مشيئة الله بالكلية، ولم يثبت له سبحانه مشيئة واختيارًا أوجد بها الخلق، كما يقوله طوائف من أعداء الرسل من الفلاسفة وأتباعهم.

والقرآن والسنّةُ مملوءان بتكذيب الطائفتين، كقوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ


(١) "م": "المعقول".