للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قيل: هذا إنما يفيد كون تلك الأفعال أسبابًا لما رُتِّب عليها، لا تقتضي إثبات التعليل في فعل الرب وأمره، فأين هذا من هذا؟

قيل: لمّا جعل الرب سبحانه هذه الأوصاف عللًا لهذه الأحكام، وأسبابًا لها؛ دل ذلك على أنه حَكَم بها شرعًا وقدرًا لأجل تلك الأوصاف، وأنه لم يحكم بها لغير علة ولا حكمة.

ولهذا كان كل مَن نفى التعليل والحِكَم نفى الأسباب، ولم يجعل لحُكْم الرب الكوني والديني سببًا ولا حكمة هي العلّة الغائية (١)، فهؤلاء ينفون الأسباب والحِكَم.

ومن تأمل شرعَ الربّ تعالى وقدرَه وجزاءه جزَمَ جزمًا ضروريًا ببطلان قول النفاة، والله تعالى قد رتّبَ الأحكام على أسبابها وعللها، وبيّن ذلك خبرًا وحسًّا وفطرة وعقلًا، ولو ذكرنا ذلك على التفصيل لقام منه عدّة أسفار.

فصل

النوع التاسع: تعليله سبحانه عدم الحُكْم القدري أو الشرعي بوجود المانع منه، كقوله: {وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سَقْفًا مِنْ فِضَّةٍ} الآية [الزخرف: ٣٣]، {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ} [الشورى: ٢٧]، وقوله: {وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ} [الإسراء: ٥٩]، أي: آيات الاقتراح، لا الآيات الدالة على صدق الرسل التي يقيمها هو


(١) «د»: «الحكمة الغائية»، وطمست في «م»، والصواب من «ج».