للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سبحانه ابتداء، وقوله: {(٤٣) وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ آاعْجَمِيٌّ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ} [فصلت: ٤٤]، وقوله: {مُبِينٌ (٧) وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ} [الأنعام: ٨ - ٩]، فأخبر سبحانه عن المانع الذي منع من إنزال المَلَك عيانًا بحيث يشاهدونه، وأن حكمته وعنايته بخلقه منعت من ذلك؛ فإنه لو أنزل المَلَك ثم عاينوه ولم يؤمنوا لعُوجِلوا بالعقوبة ولم يُنظَروا.

وأيضًا فإنه جعل الرسول بشرًا ليمْكنهم التلقّي عنه والرجوع إليه، ولو جعله مَلَكًا فإما أن يدعه على هيئة الملائكة، أو يجعله على هيئة البشر. والأول يمنعهم من التلقّي عنه، والثاني لا يُحصِّل مقصودَهم؛ إذ كانوا يقولون: هو بشر، لا مَلَك!

وقال تعالى: {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذ جَّاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا (٩٤) قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا} [الإسراء: ٩٤ - ٩٥]، فأخبر سبحانه عن المانع من إنزال الملائكة، وهو أنه لم يجعل الأرض مسكنًا لهم، ولا يستقرون فيها مطمئنين، بل يكون نزولهم لتنفيذ أوامر الربّ، ثم يعرجون إليه.

ومن هذا قوله تعالى: {وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ} [الإسراء: ٥٩]، فأخبر سبحانه عن حكمته في الامتناع من إرسال رسله بآيات الاقتراح والتشهّي، وهي أنها لا توجب الإيمان، فقد سألها الأولون فلمّا أوتوها كذبوا بها فأهلكوا، فليس لهم مصلحة في الإرسال بها، بل حكمته تعالى تأبى ذلك كل الإباء.