للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الشرائع ضرورية في مصالح الخلق، وضرورتهم إليها (١) فوق كل ضرورة تُقَدَّر، فهي أسباب موصلة إلى سعادة الدارين، ورأس الأسباب الموصلة إلى حفظ صحة البدن وقوته، واستفراغ أخلاطه، ومن لم يتصور الشريعة على هذه الصورة فهو من أبعد الناس عنها.

وقد جعل الحكيم العليم لكل قوة من القوى، ولكل حاسة من الحواس، ولكل عضو من الأعضاء؛ كمالًا حسّيًا وكمالًا معنويًا، وفَقْدُ كماله المعنوي شرٌّ من فَقْدِ كماله الحسّي، فكماله المعنوي بمنزلة الروح، والحسّي بمنزلة الجسم، فأعطاه كمالَه الحسّي خَلْقًا وقَدَرًا، وأعطاه كماله المعنوي شرعًا وأمرًا، فبلغ بذلك غاية السعادة والانتفاع بنفسه، فلم يدع للإحسان إليه والاعتناء بمصالحه وإرشاده إليها وإعانته على تحصيلها اقتراحًا يقترحه، ولا شيئًا يطلبه، بل أعطاه من ذلك ما لم يصل إليه اقتراحُهُ، ولا تدركه معرفتُهُ.

ويكفي العاقلَ البصيرَ الحيَّ القلبِ فكْرُهُ في فرع واحد من فروع الأمر والنهي وهو الصلاة، وما اشتملت عليه من الحِكَم الباهرة، والمصالح الباطنة والظاهرة، والمنافع المتصلة بالقلب والروح والبدن والقوى، التي لو اجتمع حكماء العالم قاطبة، واستفرغوا قواهم وأذهانهم لما أحاطوا بتفاصيل حِكَمها وأسرارها وغاياتها المحمودة، بل انقطعوا كلهم دون أسرار الفاتحة وما فيها من المعارف الإلهية، والحِكَم الربانية، والعلوم النافعة، والتوحيد التام، والثناء على الله تعالى بأصول أسمائه وصفاته، وذكْرِ أقسام الخليقة، باعتبار غاياتهم ووسائلهم، وما في مقدماتها وشروطها من الحِكَم العجيبة: من تطهير الأعضاء والثياب والمكان، وأخْذ الزينة، واستقبال بيته


(١) «د»: «وضرورتها لها».