للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأمَرَ النبي - صلى الله عليه وسلم - الداعي به أن يقدم بين يدي هذا الدعاء ركعتين، عبودية منه بين يدي نجواه، وأن تكونا من غير الفريضة؛ ليتجرد فعلهما لهذا الغرض المطلوب.

ولما كان الفعل الاختياري متوقّفًا على العلم والقدرة والإرادة، لا يحصل إلا بها؛ توسّل الداعي إلى الله بعلمه وقدرته وإرادته التي يؤتيه بها من فضله، وأكد هذا المعنى بتجرده وبراءته من ذلك، فقال: "إنك تعلم ولا أعلم، وتقدر ولا أقدر"، وأَمَرَ الداعي أن يعلق التيسير والصرف بالشرط ـ وهو علم الله سبحانه ـ تحقيقًا للتفويض إليه، واعترافًا بجهل العبد بعواقب الأمور، كما اعترف بعجزه، ففي هذا الدعاء إعطاء العبودية حقها، وإعطاء الربوبية حقها، وبالله المستعان.

وفي الترمذي (١) وغيره من حديث الحسن بن علي قال: علمني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلمات أقولهن في الوتر: "اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شرّ ما قضيت، إنك تقضي ولا يُقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، تبارك وتعاليت".

فقوله: "اهدني" سؤال للهداية المطلقة التي لا يتخلف عنها الاهتداء.

وعند القدرية أن الربّ ــ سبحانه وتعالى عن قولهم ــ لا يقدر على هذه الهداية، وإنما يقدر على هداية البيان والدلالة المشتركة بين المؤمنين والكفار.


(١) برقم (٤٦٤)، وأخرجه أحمد (١٧١٨)، وأبو داود (١٤٢٥)، والنسائي (١٧٤٥)، وابن ماجه (١١٧٨)، وصححه ابن خزيمة (١٠٩٥)، وابن حبان (٩٤٥).