للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكثيرة التي تصح معها الرؤية والسمع، أمِ الكل خَلْق مَنْ هو خالق كل شيء، وهو الواحد القهار؟

قال القدري: لو كان الله سبحانه هو الفاعل لأفعالهم لاشتُقَّت له منها الأسماء، وكان أولى بأسمائها منهم؛ إذ لا يَعقل الناس على اختلاف لغاتهم وعاداتهم ودياناتهم قائمًا إلا من فعل القيام، وآكلًا إلا من فعل الأكل، وسارقًا إلا من فعل السرقة، وهكذا جميع الأفعال لازمها ومتعدّيها، فعكستم أنتم الأمر وقلبتم الحقائق، فقلتم: مَن فَعل هذه الأفعال حقيقة لا يُشتقّ له منها اسم، وإنما تُشتقّ منها الأسماء لمن لم يفعلها ولم يحدثها، وهذا خلاف العقول واللغات وما تتعارفه الأمم.

قال السني: هذا إنما يلزم إخوانك وخصومك الجبرية، القائلين بأن العبد لم يفعل شيئًا البتّة، وأما من قال: العبد فاعل لفعله حقيقة، والله خالقه وخالق آلات فعله الظاهرة والباطنة= فإنه إنما تُشتقّ الأسماء لمن فعل تلك الأفعال، فهو القائم والقاعد والمصلي والسارق والزاني حقيقة، فإن الفعل إذا قام بالفاعل عاد حكمه إليه، ولم يعد إلى غيره، واشتُقّ له منه اسم ولم يُشتقّ لمن لم يقم به.

فههنا أربعة أمور: أمران معنويان في النفي والإثبات، وأمران لفظيان فيهما، فلما قام الأكل والشرب والزنا والسرقة بالعبد؛ عادت أحكام هذه الأفعال إليه، واشتُقّت له منها الأسماء، وامتنع عود أحكامها إلى الرب، واشتقاق أسمائها له، ولكن من أين يَمْنع هذا أن تكون معلومة للرب تعالى، مقدورة له، مكوّنة له، واقعة من العباد بقدرة ربهم وتكوينه؟!