للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأبوين لكان ذلك من حين يولد قبل أن يُعْرِب عنه لسانه.

وكذلك قوله في الحديث الصحيح: «إني خلقتُ عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين، وحرّمتْ عليهم ما أحللتُ لهم، وأمرَتْهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانًا» (١)؛ صريح في أنهم خُلِقوا على الحنيفية، وأن الشياطين اجتالتهم، وحرّمتْ عليهم الحلال، وأمرَتْهم بالشرك.

فلو كان الطفل يصير كافرًا في نفس الأمر من حين يولد؛ لكونه يتبع أبويه في الدين قبل أن يعلّمه أحدٌ الكفرَ ويلقّنه إياه= لم يكن الشياطين هم الذين غَيّروهم عن الحنيفية، وأمروهم بالشرك.

فصل (٢)

ومنشأ الاشتباه في هذه المسألة اشتباه أحكام الكفر في الدنيا بأحكام الكفر في الآخرة؛ فإن أولاد الكفار لمَّا كان يجري عليهم أحكام الكفر في الدنيا، مثل ثبوت الولاية عليهم لآبائهم، وحضانتهم لهم، وتمكينهم من تعليمهم وتأديبهم، والموارثة بينهم وبينهم، واسترقاقهم وغير ذلك= صار يظن من يظن أنهم كفار في نفس الأمر، كالذي تكلم بالكفر وعمل به.

ومن ههنا قال محمد بن الحسن: إن هذا الحديث ــ وهو قوله: «كل مولود يولد على الفطرة» ــ كان قبل أن تنزل الأحكام.

فإذا عُرِف أنّ كونهم وُلِدوا على الفطرة لا ينافي أن يكونوا تبعًا لآبائهم في أحكام الدنيا زالت الشبهة.


(١) تقدم تخريجه (٢/ ٦٥).
(٢) «درء التعارض» (٨/ ٤٣٢).