للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عنهما لم يكن هناك من يغير دينه، وهو مولود على الملة الحنيفية فيصير مسلمًا بالمُقْتضِي السالم عن المعارض.

ولو كان الأبوان يجعلانه كافرًا في نفس الأمر بدون تعليم وتلقين لكان الصبي المَسْبِي بمنزلة البالغ الكافر، ومعلوم أن البالغ الكافر إذا سباه المسلمون لم يصر مسلمًا؛ لأنه صار كافرًا حقيقة، فلو كان الصبي التابع لأبويه كافرًا حقيقة لم ينتقل عن الكفر بالسّباء، فعُلِم أنه كان يجري عليه حكم الكفر في الدنيا تبعًا لأبويه، لا لأنه صار كافرًا في نفس الأمر.

يبين ذلك: أنه لو سباه كفار ولم يكن معه أبواه لم يصر مسلمًا، فهو هنا كافر في حكم الدنيا، وإن لم يكن أبواه هوّداه ونصّراه.

فعُلِم أن المراد بالحديث: أنّ الأبوين يلقّنانه (١) الكفر ويعلمانه إياه.

وذَكَر النبي - صلى الله عليه وسلم - الأبوين لأنهما الأصل العام الغالب في تربية الأطفال؛ فإن كل طفل فلا بدّ له من أبوين، وهما اللذان يربيانه مع بقائهما وقدرتهما.

ومما يبين ذلك: قوله في الحديث الآخر: «كل مولود يولد على الفطرة حتى يُعْرِب عنه لسانه: فإما شاكرًا وإما كفورًا» (٢)، فجعله على الفطرة إلى أن يعقل ويميز، فحينئذ يتبين له أحد الأمرين، ولو كان كافرًا في الباطن بكفر


(١) «د»: «يلقناه» خطأ، والصواب من «درء التعارض».
(٢) أخرجه أحمد (١٤٨٠٥)، واللالكائي في «شرح أصول الاعتقاد» (٩٩٩) من حديث الحسن عن جابر به، وفي إسناده مقال، الحسن لم يسمع من جابر كما في «المراسيل» (٣٦)، وفيه أيضًا أبو جعفر الرازي ليّن الحديث، انظر: «تهذيب الكمال» (٣٠/ ١٩٩).
ويشهد لأوله حديث أبي هريرة المتقدم في الصحيح.