للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما العبد فيُطلَق عليه الإنشاء باعتبار آخر، وهو شروعه في الفعل وابتداؤه له، تقول: أنشأ يحدّثنا، وأنشأ السير، فهو منشئ لذلك.

وهذا إنشاء مقيّد، وإنشاء الربّ إنشاء مطلق.

وهذه اللفظة تدور على معنى الابتداء، أنشأه الله، أي: ابتدأ خلقه، وأنشأ يفعل كذا: ابتدأ، وفلان يُنْشِئ الأحاديث، أي: يبتدئ وضعَها، والناشئ أول ما ينشأ من السحاب.

قال الجوهري: "وناشئة الليل أول ساعاته" (١).

قلت: هذا قد قاله غير واحد من السلف: إن ناشئة الليل أوله التي منها ينشأ الليل، والصحيح أنها لا تختص بالساعة الأولى، بل هي ساعاته ناشئة بعد ناشئة، كلما انقضت ساعة نشأ بعدها أخرى.

قال أبو عبيدة: "ناشئة الليل: ساعاته وآناؤه ناشئة بعد ناشئة" (٢).

قال الزَّجّاج: "ناشئة الليل: كلّ ما نشأ منه، أي: حدث منه، فهو ناشئة" (٣).

قال ابن قتيبة: "هي آناء الليل وساعاته، مأخوذة من نَشَأَتْ تنشأ نشْأً، أي: ابتدأت وأقبلت شيئًا بعد شيء، وأنشأها الله فنشأت" (٤).


(١) "الصحاح" (١/ ٧٨).
(٢) "مجاز القرآن" (٢/ ٢٧٣).
(٣) "معاني القرآن وإعرابه" (٥/ ٢٤٠).
(٤) "تأويل مشكل القرآن" (٣٦٥).