للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الباب التاسع عشر

في ذِكْر مناظرة جرت بين جبريّ وسنّي جمعهما مجلس مذاكرة

قال الجبري: القول بالجبر لازم لصحة التوحيد، ولا يستقيم التوحيد إلا به؛ لأنا إن لم نقل بالجبر أثبتنا فاعلًا للحوادث مع الله، إن شاء فعل، وإن شاء لم يفعل، وهذا شرك ظاهر لا يُخلّص منه إلا القول بالجبر.

قال السني: بل القول بالجبر منافٍ للتوحيد، ومع منافاته للتوحيد فهو مناف للشرائع، ودعوة الرسل، والثواب والعقاب، فلو صحّ الجَبْر لبطلت الشرائع، وبطل الأمر والنهي، ويلزم من بطلان ذلك بطلان الثواب والعقاب.

قال الجبري: ليس العجب دعواك منافاة الجَبْر للأمر والنهي، والثواب والعقاب؛ فإن هذا لم يزل يُقال، وإنما العجب دعواك منافاته للتوحيد، وهو من أقوى أدلة التوحيد، فكيف يكون المُقرِّر للشيء، المُقوّي له منافيًا له؟!

قال السني: منافاته للتوحيد من أظهر الأمور، ولعلها أظهر من منافاته للأمر والنهي، وبيان ذلك أن أصل عقد التوحيد وأساسه هو شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، والجبر ينافي الكلمتين؛ فإن الإله هو المستحق لصفات الكمال، المنعوت بنعوت الجلال، وهو الذي تألهه القلوب، وتصمد إليه بالحب والخوف والرجاء، فالتوحيد الذي جاءت به الرسل هو إفراد الربّ بالتألّه، الذي هو كمال الذلّ والخضوع والانقياد له، مع كمال المحبة والإنابة، وبذل الجهد في طاعته ومرضاته، وإيثار محابّه ومراده الديني على محبة العبد ومراده، فهذا أصل دعوة الرسل، وإليه دعوا