للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وما رمى السلفُ ــ من الصحابة والتابعين ومَن بعدهم ــ القدريةَ عن قوسٍ واحدة إلا لعظم بدعتهم، ومنافاتها لما بعث الله به أنبياءه ورسله.

فلو أتى العباد بكل طاعة، وكانت أنفاسهم كلها طاعات لله؛ لكانوا في محض مِنّته وفضله، وكانت له المِنّة عليهم، وكلما عظمت طاعة العبد كانت مِنّة الله عليه أعظم، فهو المانّ بفضله، فمن أنكر مِنّته فقد أنكر إحسانه.

وأما قوله تعالى: {لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} [فصلت: ٨]، فلم يختلف أهل العلم بالله ورسوله وكتابه أن معناه: غير مقطوع، ومنه: {رَيْبَ الْمَنُونِ}، وهو الموت؛ لأنه يقطع العمر.

فصل

ومن ذلك قوله تعالى: {فَأَغْرَيْنَا (١) بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} [المائدة: ١٤]، وقوله: {وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} [المائدة: ٦٤]، وهذا الإغراء والإلقاء محض فعله سبحانه، والتعادي والتباغض أثره، وهو محض فعلهم.

وأصل ضلال القدرية والجبرية من عدم اهتدائهم إلى الفرق بين فعله سبحانه وفعل العبد، فالجبرية جعلوا التعادي والتباغض فعل الرب تعالى دون المتعادين والمتباغضين، والقدرية جعلوا ذلك محض فعلهم الذي لا صنع لله فيه ولا قدرة ولا مشيئة، وأهل الصراط السويّ جعلوا ذلك فعلهم، وهو أثر فعل الله وقدرته ومشيئته.


(١) في جميع الأصول: (وأغرينا).