وبهذا التفصيل يزول الاشتباه في مسألة الأمر والإرادة: هل هما متلازمان أم لا؟
فقالت القدرية: الأمر يستلزم الإرادة، واحتجوا بحجج لا تندفع.
وقالت المثبتة: الأمر لا يستلزم الإرادة، واحتجوا بحجج لا تندفع.
والصواب أن الأمر يستلزم الإرادة الدينية، ولا يستلزم الإرادة الكونية؛ فإنه لا يأمر إلا بما يريده شرعًا ودينًا.
وقد يأمر بما لا يريده كونًا وقدرًا، كإيمان مَنْ أَمَرَهُ ولم يوفّقه للإيمان؛ مرادٌ له دينًا لا كونًا، وكذلك (١) أَمَر خليله بذبح ابنه، ولم يرده كونًا وقدرًا، وأَمَر رسوله بخمسين صلاة، ولم يرد ذلك كونًا وقدرًا.
وبين هذين الأمرين وأَمْرِ مَن لم يؤمن بالإيمان فرق؛ فإنه سبحانه لم يحب من إبراهيم ذبح ولده، وإنما أحب منه عزمه على الامتثال وتوطين نفسه عليه، وكذلك أَمْرُ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - ليلة الإسراء بخمسين صلاة، وأما أَمْرُ مَنْ عَلِم أنه لا يؤمن بالإيمان فإنه سبحانه يحب من عباده أن يؤمنوا به وبرسله، ولكن اقتضت حكمته أن أعان بعضهم على فعل ما أمره به ووفّقه له، وخَذَل بعضهم فلم يعنه ولم يوفّقه، فلم تحصل مصلحة الأمر منهم، وحصلت من الأمر بالذبح.