للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والصحيح القول الأول، وهو نصيبهم الذي كُتِبَ لهم أن ينالوه قبل أن يُخلقوا، ولهذا القول وجه حسن، وهو أن نصيب المؤمنين منه الرحمة والسعادة، ونصيب هؤلاء منه العذاب والشقاء، فنصيب كل فريق منه ما اختاروه لأنفسهم، وآثروه على غيره. كما أن حظَّ المؤمنين منه كان الهُدى والرحمة، فحظ هؤلاء منه الضلال والخيبة، فكان حظهم من هذه النعمة أن صارت نقمة وحسرة عليهم.

وقريب من هذا قوله تعالى: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} [الواقعة: ٨٢]، أي: تجعلون حظكم من هذا الرزق الذي به حياتكم التكذيبَ به.

قال الحسن: "تجعلون حظّكم ونصيبكم من القرآن أنكم تكذبون"، قال: "وخسر عبد لا يكون حظه من كتاب الله إلا التكذيب به" (١).

وقال تعالى: {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ} [القمر: ٥٢]، قال عطاء ومقاتل: "كل شيء فعلوه مكتوب عليهم في اللوح المحفوظ" (٢).

وروى حماد بن زيد، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي: {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ} قال: "كُتِب عليهم قبل أن يعملوه" (٣).

وقالت طائفة: المعنى أنه مُحصى عليهم في كتب أعمالهم.

وجمع أبو إسحاق بين القولين، فقال: "مكتوب عليهم قبل أن يفعلوه،


(١) عزاهما إليه في "البسيط" (٢١/ ٢٥٦)، وأسند الثاني منهما عبد الرزاق في "التفسير" (٣/ ٢٧٣)، وابن جرير (٢٢/ ٣٧٢).
(٢) عزاه إلى عطاء في "البسيط" (٢١/ ١٢٧)، وانظر: "تفسير مقاتل" (٤/ ١٨٥).
(٣) أورده بهذا السياق ابن عبد البر في "التمهيد" (٣/ ١٣٩).