للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والكتبُ المنزّلة قد أُطْلِق عليها الزُّبُر في قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا يُوحَى إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (٤٣) بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ} [النحل: ٤٣ - ٤٤]، أي: أرسلناهم بالآيات الواضحات، والكتب التي فيها الهدى والنور، والذكر ههنا: الكتابان اللذان أنزلا قبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهما التوراة والإنجيل.

والذكر في قوله: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: ٤٤] هو القرآن، ففي هذه الآية علمه بما كان قبل كونه، وكتابته له بعد علمه.

وقال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} [يس: ١٢]، فجمع بين الكتابين: الكتاب السابق لأعمالهم قبل وجودهم، والكتاب المقارِن لأعمالهم.

فأخبر سبحانه أنه يحييهم بعد ما أماتهم للبعث، ويجازيهم بأعمالهم، ونبّه بكتابته لها على ذلك.

قال مقاتل: " {نكتب مَا قَدَّمُوا} من خير أو شر فعلوه في حياتهم، {وَآثَارَهُمْ} ما سَنُّوا من سُنّة خير أو شر فاقتُدِي بهم فيها بعد موتهم" (١).

وقال ابن عباس في رواية عطاء: " {وَآثَارَهُمْ} ما أثروا من خير أو شر" (٢). كقوله: {يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ} [القيامة: ١٣].

فإن قلت: فقد استفيد هذا من قوله: {مَا قَدَّمُوا}، فما أفاد قوله: {وَآثَارَهُمْ} على قوله؟


(١) "تفسير مقاتل" (٣/ ٥٧٤).
(٢) نسبه إليه الواحدي في "البسيط" (١٨/ ٤٦٠).