للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

آدم بالبهائم؛ لأنها تولد كاملة الخلق لا يتبين فيها نقصان، ثم تقطع آذانها بعد وأنوفها، فيقال: هذه السوائب وهذه البحائر.

يقول: كذلك قلوب الأطفال في حين ولادتهم، ليس لهم حينئذ كفر ولا إيمان، ولا معرفة ولا إنكار، كالبهائم السالمة، فلما بلغوا استهوتهم الشياطين، فكفر أكثرهم، وعصم الله أقلهم.

قالوا: ولو كان الأطفال قد فُطِروا على شيء من الكفر والإيمان في أوليّة أمرهم؛ ما انتقلوا عنه أبدًا، فقد نجدهم يؤمنون، ثم يكفرون، ثم يؤمنون.

قالوا: ويستحيل في العقول أن يكون الطفل في حال ولادته يعقل كفرًا أو إيمانًا؛ لأن الله أخرجهم من بطون أمهاتهم لا يعلمون شيئًا، فمن لم يعلم شيئًا استحال منه كفر أو إيمان أو معرفة أو إنكار.

قال أبو عمر: هذا القول أصحّ ما قيل في معنى الفطرة التي يولد الوِلْدان عليها.

وذلك أن الفطرة: السلامة والاستقامة، بدليل قوله تعالى في حديث عياض بن حمار: «إني خلقتُ عبادي حنفاء»، يعني: على استقامة وسلامة. وكأنه ــ والله أعلم ــ أراد الذين خلصوا من الآفات كلها، والمعاصي والطاعات، فلا طاعة منهم ولا معصية إذا لم يعملوا بواحدة منهما

ومن الحجة أيضًا في هذا قول الله تعالى: {إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [التحريم: ٧]، و {أَوْ يَتَأَخَّرَ (٣٧) كُلُّ نَفْسٍ} [المدثر: ٣٨]، ومن لم يبلغ وقت العمل لم يرتهن بشيء، قال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: ١٥].