قال شيخنا (١): هذا القائل إن أراد بهذا القول: أنهم خُلِقوا خاليين من المعرفة والإنكار، من غير أن تكون الفطرة تقتضي واحدًا منهما، بل يكون القلب كاللوح الذي يقبل كتابة الإيمان والكفر، وليس هو لأحدهما أقبل منه للآخر، وهذا هو الذي يُشْعِر به ظاهر الكلام= فهذا قول فاسد؛ لأنه حينئذ لا فرق بالنسبة إلى الفطرة بين المعرفة والإنكار، والتهويد والتنصير والإسلام، وإنما ذلك بحسب الأسباب.
فكان ينبغي أن يقال: فأبواه يسلّمانه و يُهَوِّدانه ويُنَصِّرانه ويُمَجِّسانه، فلما ذكر أن أبويه يكفّرانه، وذكر الملل الفاسدة دون الإسلام؛ عُلِم أن حكمه في حصول ذلك بسبب منفصل غير حكم الكفر.
وأيضًا: فإنه على هذا التقدير لا يكون في القلب سلامة ولا عَطَب ولا استقامة ولا زيغ؛ إذ نسبته إلى كل منهما نسبة واحدة، وليس هو بأحدهما بأولى منه بالآخر، كما أن اللوح قبل الكتابة لا يثبت له حكم مدح ولا ذم، فما كان قابلًا للممدوح والمذموم على السواء لم يستحق مدحًا ولا ذمًّا.
والله تعالى يقول:{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا}[الروم: ٣٠]، فأمَرَه بلزوم فطرته التي فَطَر الناس عليها، فكيف لا تكون ممدوحة؟!
وأيضًا: فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - شبّهها بالبهيمة المُجْتَمِعة الخَلْق، وشبَّه ما طرأ عليها من الكفر بجَدْع الأنف والأذن، ومعلوم أن كمالهما محمود، ونقصهما مذموم، فكيف تكون قبل النقص لا محمودة ولا مذمومة؟!