للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} [الإنسان: ٢ - ٣]، وقوله: {أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ} الآيات [النمل: ٦٠]، ثم قال: {أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [النمل: ٦٣]، فالخلق إعطاء الوجود العيني الخارجي، والهدى إعطاء الوجود العلمي الذهني، فهذا خلقه، وهذا هداه وتعليمه.

فصل

المرتبة الثانية من مراتب الهداية: هداية الإرشاد والبيان للمكلفين، وهذه الهداية لا تستلزم حصول التوفيق واتباع الحق، وإن كانت شرطًا فيه أو جزء سبب، وذلك لا يستلزم حصول المشروط والمسبَّب، بل قد يتخلف عنه المقتضي إما لعدم كمال السبب، أو لوجود مانع، ولهذا قال تعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} [فصلت: ١٧]، وقال: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ} [التوبة: ١١٥]، فهداهم هدى البيان والدلالة فلم يهتدوا، فأضلهم عقوبة لهم على ترك الاهتداء أولًا بعد أن عرفوا الهدى فأعرضوا عنه، فأعماهم عنه بعد أن أراهموه.

وهذا شأنه سبحانه في كل من أنعم عليه بنعمة فكفرها، فإنه يسلبه إياها بعد أن كانت نصيبه وحظه، كما قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الأنفال: ٥٣]، وقال تعالى عن قوم فرعون: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} [النمل: ١٤]، أي: جحدوا بآياتنا بعد أن تيقنوا صحتها، وقال: {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ