للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله: «فأبواه يُهَوِّدانه» بَيّن فيه أنهم يغيّرون الفطرة التي فُطِر عليها.

وأيضًا: فإنه شبّه ذلك بالبهيمة التي تولَد مُجْتَمعة الخَلْق لا نقص فيها، ثم تُجْدَع بعد ذلك، فعُلِم أنّ التغيير وارد على الفطرة السليمة التي وُلِد العبد عليها.

وأيضًا: فإن الحديث مطابق للقرآن، كقوله: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: ٣٠]، وهذا يعم جميع الناس، فعُلِم أنّ الله سبحانه فطر الناس كلهم على فطرته المذكورة.

وأيضًا: فإنه أضاف الفطرة إليه إضافة مدح لا إضافة ذم، فعُلِم أنها فطرة محمودة لا مذمومة، كدين الله وبيته وناقته.

وأيضًا: فإنه قال: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: ٣٠]، وهذا نَصْبٌ على المصدر الذي دلّ عليه الفعل الأول عند سيبويه وأصحابه، فدلَّ على أن إقامة الوجه لله (١) حنيفًا هو فطرة الله التي فطر الناس عليها.

وأيضًا: فإن هذا تفسير السلف كما تقدم.

قال ابن جرير (٢): يقول: فسدِّد وجهك نحو الوجه الذي وجّهك الله يا محمد لطاعته ــ وهي الدين ــ، {حَنِيفًا} يقول: مستقيمًا لدينه وطاعته، {فِطْرَتَ اللَّهِ} يقول: صنعة الله التي خَلَق الناس عليها، ونَصْبُ {فِطْرَتَ}


(١) كذا في «د»: «لله» كأنه سبق قلم، وفي «درء التعارض»: «للدين»، وهو الأشبه.
(٢) «جامع البيان» (١/ ٣١٣).