للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

{كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (٨) قَالُوا بَلَى قَد جَّاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ} [الملك: ٨ - ٩].

فإن قيل: فكيف تقوم حجته عليهم وقد منعهم من الهدى، وحال بينهم وبينه؟

قيل: حُجَّته قائمة عليهم بتخليته بينهم وبين الهدى، وبيان الرسل لهم، وإراءتهم الطريق المستقيم حتى كأنهم يشاهدونه عيانًا، وأقام لهم أسباب الهداية ظاهرًا وباطنًا، ولم يحل بينهم وبين تلك الأسباب، ومن حال بينه وبينها منهم بزوال عقل أو صغر لا تمييز معه، أو كونه بناحية من الأرض لم تبلغه دعوة رسله= فإنه لا يعذبه حتى يقيم عليه حجته، فلم يمنعهم من هذا الهدى، ولم يحل بينهم وبينه.

نعم، قطع عنهم توفيقه، ولم يرد من نفسه إعانتهم والإقبال بقلوبهم إليه، فلم يحل بينهم وبين ما هو مقدور لهم، وإن حال بينهم وبين ما لا يقدرون عليه، وهو فعله ومشيئته وتوفيقه، فهذا غير مقدور لهم، وهو الذي مُنِعوه، وحيل بينهم وبينه، فتأمل هذا الموضع، واعرف قدره، والله المستعان.

فصل

المرتبة الثالثة من مراتب الهداية: هداية التوفيق والإلهام، وخلق المشيئة المستلزمة للفعل.

وهذه المرتبة أخصُّ من التي قبلها، وهي التي ضلّ جهال القدرية بإنكارها، وصاح عليهم سلف الأمة وأهل السنة منهم من نواحي الأرض عصرًا بعد عصر إلى وقتنا هذا، ولكن الجبرية ظلمتهم ولم تنصفهم، كما