للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومثله قوله: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم: ٢٧]، فأخبر سبحانه أن تثبيت المؤمنين، وإضلال الظالمين فعله، فإنه يفعل ما يشاء (١)، وأما الثبات والضلال فمحض أفعالهم.

ومن ذلك قوله تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} [المائدة: ١٣]، فأخبر أنه هو الذي قسّى قلوبهم حتى صارت قاسية، فالقساوة وصفها وفعلها، وهي أثر فعله، وهو جعلها قاسية، وذلك أثر معاصيهم ونقضهم ميثاقهم، وتركهم بعض ما ذكّروا به، فالآية مبطلة لقول القدرية والجبرية.

فصل

ومن ذلك قوله تعالى: {فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٥٧) وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ} [الشعراء: ٥٧ - ٥٨]، وهم إنما خرجوا باختيارهم، وقد أخبر أنه هو الذي أخرجهم، فالإخراج فعله حقيقة، والخروج فعلهم حقيقة، ولولا إخراجه لما خرجوا.

وهذا بخلاف قوله: {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا (١٧) ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا} [نوح: ١٧ - ١٨]، وقوله: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ} [الحشر: ٢]، وقوله: {وَاَللَّهُ (٧٧) وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ} [النحل: ٧٨]، فإن هذا إخراج لا صُنْع لهم فيه؛ فإنه بغير اختيارهم وإرادتهم.


(١) من قوله: "فأخبر سبحانه" إلى هنا ساقط من "م".