للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال الأوزاعي، والزُّبَيدي (١): ليس في الكتاب والسنة لفظ "جَبْر"، وإنما جاءت السنة بلفظ "الجَبْل" (٢). كما في الصحيح (٣) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأشج عبد القيس: "إن فيك خُلُقين يحبهما الله: الحلم والأناة"، فقال: أخُلُقَين تخلّقت بهما، أم جُبِلت عليهما؟ فقال: "بل جُبِلتَ عليهما"، فقال: الحمد لله الذي جبلني على ما يحب.

فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الله جبَلَه على الحلم والأناة وهما من الأفعال الاختيارية، وإن كانا خُلُقين قائمين بالعبد (٤)، فإن من الأخلاق ما هو كَسْبي، ومنها ما لا يدخل تحت الكَسْب، والنوعان قد جَبَل الله العبد عليهما، وهو سبحانه يحبّ ما جَبَل عبده عليه من محاسن الأخلاق، ويكره ما جَبَله عليه من مساوئها، فكلاهما بجَبْله، وهذا محبوب له، وهذا مكروه، كما أن جبريل صلوات الله وسلامه عليه مخلوق له، وإبليس عليه لعائن الله مخلوق له، وجبريل محبوب له مصطفى عنده، وإبليس أبغض خلقه إليه.

ومما يوضح ذلك أن لفظ الجَبْر لفظ مجمل، فإنه يقال: أجْبَر الأبُ (٥)


(١) محمد بن الوليد أبو الهذيل الحمصي صاحب الزهري (١٤٨ هـ)، "تاريخ الإسلام" (٣/ ٩٧٥).
(٢) أسنده الخلال في "السنة" (٣/ ٥٥٥)، ونص عبارة الزبيدي: "أمر الله أعظم، وقدرته أعظم من أن يجبر أو يعضل، ولكن يقضي ويقدر ويخلق ويجبل عبده على ما أحبه"، وانظر: "درء التعارض" (١/ ٦٦).
(٣) "صحيح مسلم" (١٨) من حديث أبي سعيد الخدري وليس فيه موضع الشاهد، وهو عند أبي داود (٥٢٢٥) من حديث زارع، وله عدة شواهد.
(٤) "م": "قائمين فإنهن بالعبد" دون إعجام.
(٥) "م": "جبر الأب"، وجَبَر لغة فصيحة في أجبر، كما في "الأفعال" لابن القطاع (١/ ٢٥٧).