للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التي تقدمت، وكأنكم يعجبكم التشبّع (١) بكثرة الباطل، وجميع ما أجبناكم به هناك فهو الجواب ههنا بعينه.

فغاية هذا أنه تسلسل في الآثار لا في المؤثِّرات، وتسلسل في الحوادث المستقبَلَة، وذلك جائز، بل واجب باتفاق المسلمين سوى قول الجهم (٢) والعلّاف، وغاية الأمر أن يكون في الحوادث ما يراد لنفسه، وفيها ما يراد لغيره، والحكمة المطلوبة لنفسها لا تفتقر إلى أخرى تراد لأجلها.

وإن هذا الدليل لو صحت مقدماته ــ وهيهات ــ فإنما يدل على أن أفعاله تعالى لا يجب تعليلها، ولا يلزم من ذلك أن لا يجوز تعليلها، فنفي الوجوب شيء، ونفي الجواز شيء. فهب أنّا سلّمنا الأول، فأين دليل الثاني؟ وغايتها أنها تدل على عدم تعليل بعض الحوادث، لا على عدم تعليل جميعها.

وبالجملة فما تقدم هناك مُغْنٍ لنا عن الإطالة في الأجوبة.

وسر المسألة أن دوام فاعلية الربّ تعالى تُبْطِل هذه الشبهة من أصلها، وقد اتفق المسلمون على دوام فاعليته في المستقبل، والسلف على دوامها في الماضي، وإنما خالف في ذلك كثير من أهل الكلام.

فصل

قال نفاة الحكمة: قد قام الدليل على أنه سبحانه خالق كل شيء، فأي


(١) «م»: «التشيع» معجمة، والمثبت من «د» أشبه.
(٢) «م»: «الجهمية» تحريف؛ فإن القول بمنع تسلسل الحوادث في الماضي والمستقبل هو قول الجهم خلافًا لعامة أتباعه، انظر: «الصفدية» (١/ ١١)، وينظر في حكاية الاتفاق أيضًا: «مجموع الفتاوى» (٨/ ٣٨٠)، «منهاج السنة» (١/ ١٤٦).