للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تتوقف عليه الرؤية من الأسباب والشروط التي لا تدخل تحت مقدور العبد أضعاف أضعاف ما يقدر عليه، من تقليب حدقته نحو المرئي، فكيف يقول عاقل: إن جزء السبب أو الشرط موجِب مستقل لوجود الفعل؟!

وهذا الموضع مما ضَلَّ فيه الفريقان، حيث زعمت القدرية أنه موجِب للفعل، وزعمت الجبرية أنه لا أثر له فيه، فخالفت الطائفتان صريح المعقول والمنقول، وخرجت عن السمع والعقل.

والتحقيق أن قدرة العبد وإرادته ودواعيه جزء من أجزاء السبب التام الذي يجب به الفعل، فمن زعم أن العبد مستقل بالفعل مع أن أكثر أسبابه ليست إليه فقد خرج عن موجِب العقل والشرع.

فهب أن داعي حركة الضرب منك مستقل بها، فهل سلامة الآلة منك؟ وهل وجود المحل المُنفَعِل، وقبوله منك؟ وهل خَلْق الفضاء بينك وبين المضروب، وخلوه عن المانع منك؟ وهل إمساك قدرته عن مُقارِنك (١)، وغَلَبك منك؟ وهل خَلْق الآلة التي بها تضرب منك؟ وهل خَلْق الألم فيه بعد الضرب منك؟ وهل القوة التي في اليد، والرباطات والاتصالات التي بين عظامها، وشدّ أسرها منك؟

ومن زعم أنه لا أثر للعبد بوجه ما في الفعل، وأن وجود قدرته وإرادته وعدمهما بالنسبة إلى الفعل على السواء؛ فقد كابر العقل والحس.


(١) "ج": "مضاربتك"، والمثبت من "م"، ومثله في "د" دون إعجام، ويكون المُقارِن هنا بنحو الصاحب، ويشبه أن تكون: "مضاربك"، يقال: ضارب الرجل مضاربة، كما في "المخصص" (٢/ ٥٢).