للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولهذا كان من دعائه - صلى الله عليه وسلم -: "يا حيّ، يا قيوم، يا بديع السماوات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، لا إله إلا أنت، برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين، ولا إلى أحد من خلقك" (١).

فالعبد مطروح بين الله وبين عدوه إبليس، فإن تولاه الله لم يظفر به عدوه، وإن خذله وأعرض عنه افترسه الشيطان كما يفترس الذئبُ الشاةَ إذا خلّى الراعي بينه وبينها، فالشيطان ذئب الإنسان.

فإن قيل: فما ذنب الشاة إذا خلّى الراعي بين الذئب وبينها، وهل يمكنها أن تقوى على الذئب وتنجو منه؟

قيل: لعمر الله، إن الشيطان ذئب الإنسان كما قاله الصادق المصدوق، ولكن لم يجعل الله لهذا الذئب اللعين على هذه الشاة سلطانًا مع ضعفها، فإذا أعطت بيدها، وسالمت الذئب، ودعاها فلبت دعوته، وأجابت أمره ولم تتخلف، بل أقبلت نحوه سريعة مطيعة، وفارقت حمى الراعي الذي ليس للذئاب عليه سبيل، ودخلت في محل الذئاب الذي من دخله كان صيدًا لهم، فهل الذنب كل الذنب إلا للشاة، فكيف والراعي يحذّرها، ويخوّفها وينذرها، وقد أراها مصارع الشَّاء التي انفردت عن الراعي، ودخلت وادي الذئاب.

قال أحمد بن مروان المالكي في كتاب "المجالسة" (٢): "سمعت ابن


(١) لم أقف عليه بهذا السياق، وأخرجه مختصرًا النسائي في "الكبرى" (١٠٣٣٠)، والبزار (٦٣٦٨) بإسناد جيد من طريق عثمان بن موهب عن أنس بن مالك، وصححه الحاكم (٢٠٠٠).
(٢) (٥/ ١٩٣)، من طريق ابن أبي الدنيا في "الإشراف في منازل الأشراف" (٣٩٧).