للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مطالعها ومغاربها لإقامة دولة الليل والنهار، وفصول العام التي بها نظام مصالح مَن عليها.

فإذا تأملت العالم وجدته كالبيت المبني المُعَدّ فيه جميع عتاده، فالسماء سقفه، والأرض بساطه، والنجوم زينته، والشمس سراجه، والعقلاء سكّانه (١)، والليل سَكَنهم، والنهار معاشهم، والمطر سقياهم، والنبات غذاؤهم ودواؤهم وفاكهتهم، والحيوان خدمهم، ومنه قوتهم ولباسهم، والجواهر كنوزهم وذخائرهم، كل شيء منها لما يصلح له، فضروب النبات مهيَّأة لجميع حاجاتهم، وصنوف الحيوانات معدّة لجميع مصالحهم، وذلك أدلّ دليل على وحدانية خالقه وعلمه وحكمته وقدرته (٢).

فلم يكن لون السماء أزرق اتفاقًا، بل لحكمة باهرة؛ فإن هذا اللون أشدّ الألوان موافقة للبصر، حتى إن مِنْ وَصْف الأطباء لمن أصابه ما أضرّ ببصره أو كَلّ بصره (٣)؛ إدمان النظر إلى الخُضْرة وما قرب منها إلى السواد، فجعل أحكم الحاكمين أديم السماء بهذا اللون ليمسك الأبصار الراجعة فيه، فلا يَنْكَأ فيها، فهذا الذي أدركه الناس بعد الفكر والتجربة قد وُجِد مفروغًا منه في الخِلْقة.

ولم يكن طلوع الشمس وغروبها على هذا النظام لغير علة ولا حكمة


(١) «د»: «ومصالح سكانه»، «م»: «والمصالح سكانه»، وصوّبها في الحاشية، وانظر لنحو هذا المثال: «الصواعق المرسلة» (٤/ ١٥٦٧).
(٢) هذه الفقرة وأضرابها الآتيات مستفادة من مواضع متفرقة من «الدلائل والاعتبار» المنسوب للجاحظ.
(٣) «د»: «كلم بصره».