للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واللفظ قد فرق بين الخالق والمخلوق، وصفاته سبحانه داخلة في مسمى اسمه؛ فإن الله سبحانه اسم للإله الموصوف بكل صفة كمال، المنزَّه عن كل صفة نقص ومثال.

والعالَم قسمان: أعيان وأفعال، فهو الخالق لأعيانه وما يصدر عنها من الأفعال، كما أنه العالم بتفاصيل ذلك، فلا يخرج شيء منه عن علمه، ولا عن قدرته، ولا عن خلقه ومشيئته.

قالت القدرية: نحن نقول: إن الله خالق أفعال العباد، لا على معنى أنه محدثها ومخترعها، لكن على معنى أنّه مقدّرها؛ فإن الخلق: التقدير، كما قال تعالى: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون: ١٤]، وقال الشاعر:

ولأنت تَفْري ما خلقتَ وبعـ ... ـضُ القوم يخلق ثم لا يَفْري (١)

أي أنت تمضي ما قدّرته، وتنفذه بعزمك وقدرتك، وبعض القوم يقدّر ثم لا قوة له ولا عزيمة على إنفاذ ما قدّره وأمضاه.

فالله تعالى مقدّر أفعال العباد وهم الذين أوجدوها وأحدثوها.

قال أهل السنة: قدماؤكم ينكرون تقدير الله سبحانه وتعالى لأعمال العباد البتة، فلا يمكنهم أن يجيبوا بذلك، ومن اعترف منكم بالتقدير فهو تقدير لا يرجع إلى تأثير، وإنما هو مجرد العلم بها والخبر عنها، وليس التقدير عندكم جعلها على قدر (٢) كذا وكذا، وصفة كذا وكذا؛ فإن هذا عندكم غير مقدور للربِّ ولا مصنوع له، وإنما هو صنع العبد وإحداثه،


(١) البيت لزهير بن أبي سلمى، "شعر زهير" صنعة الشنتمري (١١٩).
(٢) "د": "تقدير".