للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الثاني: قولهم: {وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا}، وثبات الأقدام فعل اختياري، ولكن التثبيت فعله، والثبات فعلهم، ولا سبيل إلى فعلهم إلا بعد فعله.

الثالث: قولهم: {وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}، فسألوه النصر، وذلك بأن يقوّي عزائمهم ويشجعهم ويصبرهم ويثبتهم، ويلقي في قلوب أعدائهم الخور والخوف والرعب، فيحصل النصر.

وأيضًا فإنّ كون الإنسان منصورًا على غيره إما أن يكون بأفعال الجوارح، وهو واقع بقدرة العبد واختياره، وإما أن يكون بالحجة والبيان والعلم، وذلك أيضًا فعل العبد، وقد أخبر سبحانه أنّ النصر بجملته من عنده، وأثنى على من طلبه منه، وعند القدرية لا يدخل تحت مقدور الربّ.

الرابع: قوله: {فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ}، وإذنه ههنا هو الإذن الكوني القدري، أي: بمشيئته وقضائه وقدره، ليس هو الإذن الشرعي الذي هو بمعنى الأمر؛ فإن ذلك لا يستلزم الهزيمة، بخلاف إذنه الكوني وأمره الكوني، فإنّ المأمور المكوَّن (١) لا يتخلف عنه البتة.

فصل

ومن ذلك قوله تعالى: {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} [الكهف: ٢٨]، وفي الآية ردٌّ ظاهر على الطائفتين وإبطال لقولهما، فإنه سبحانه أغفل قلب العبد عن ذكره فغفل هو، فالإغفال فعل الله، والغفلة فعل العبد، ثم أخبر عن اتباعه هواه، وذلك فعل العبد حقيقة.


(١) "م": "الكوني".