للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الباب التاسع والعشرون

في انقسام القضاء والحُكْم والإرادة والكتابة والأمر والإذن والجَعْل والكلمات والبعث والإرسال والتحريم والإنشاء إلى كوني متعلِّق بخلقه، وإلى ديني متعلِّق بأمره، وما في تحقيق ذلك من إزالة اللبس والإشكال

هذا الباب متصل بالباب الذي قبله، وكل منهما مُقَرِّرٌ لصاحبه، فما كان من الكوني فهو متعلِّق بربوبيته وخلقه، وما كان من الديني فهو متعلِّق بإلهيته وشرعه، وهو كما أخبر عن نفسه سبحانه: {الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف: ٥٤]، فالخلق قضاؤه وقدره وفعله، والأمر شرعه ودينه، فهو الذي خلق وشرع وأمر.

وأحكامه جارية على خَلْقه قدرًا وشرعًا، ولا خروج لأحد عن حكمه الكوني القدري، وأما حكمه الديني الشرعي فيعصيه الفجّار والفسّاق، والأمران غير متلازمين، فقد يقضي ويقدّر ما لا يأمر به ولا شرعه، وقد يشرع ويأمر بما لا يقضيه ولا يقدّره، ويجتمع الأمران فيما وقع من طاعات عباده وإيمانهم، وينتفي الأمران عما لم يقع من المعاصي والفسق والكفر، وينفرد القضاء الديني والحكم الشرعي فيما أمر به وشرعه ولم يفعله المأمور، وينفرد الحكم الكوني فيما وقع من المعاصي.

إذا عُرِفَ ذلك؛ فالقضاء في كتاب الله نوعان:

كوني قدري، كقوله: {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ} [سبأ: ١٤]، وقوله: {وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ} [الزمر: ٦٩].