للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العمل، فإنه في الدنيا لمّا لم يحي الحياة النافعة الحقيقية التي خُلِق لها، بل كانت حياته من جنس حياة البهائم، ولم يكن ميتًا عديم الإحساس= كانت حياته في الآخرة كذلك.

فإن مقصود الحياة حصول ما يُنْتفع به، ويُلْتذ به، والحي لا بُدَّ له من لذة أو ألم، فإذا لم تحصل له اللذة لم يحصل له مقصود الحياة، كمن هو حي في الدنيا وبه أمراض عظيمة تحول بينه وبين التنعم بما يتنعم به الأصحاء، فهو يختار الموت ويتمناه ولا يحصل له، فلا هو مع الأحياء ولا هو مع الأموات.

إذا عُرِف هذا، فالشر من لوازم عدم (١) هذه الحياة، وعدمها شر، وهو ليس بشيء حتى يكون مخلوقًا، والله خالق كل شيء، فإذا أمسك عن عبده هذه الحياة كان إمساكها خيرًا بالنسبة إليه سبحانه، وإن كان شرًّا بالإضافة إلى العبد؛ لفوات ما يلتذّ، ويتنعَّم به.

فالسيئات من طبيعة النفس، ولم (٢) تمد بهذه الحياة التي تحول بينها وبينها، فصار الشر كله من النفس، والخير كله من الله، والجميع بقضائه وقدره وحكمته، وبالله التوفيق.

فصل

قال القدري: نحن نعترف بهذا جميعه، ونقرّ بأن الله خلق الإنسان مريدًا، ولكن جعله على خِلْقة يريد بها، فهو مريدٌ بالقوة والقبول، أي خَلَقه قابلًا لأن يريد هذا وهذا، وأما كونه مريدًا لهذا المعنى وهذا المعنى فليس ذلك بخلْق


(١) «عدم» ساقطة من «م».
(٢) كذا في الأصول، وفي اتساقه مع ما قبله شيء، فلعلها: «التي لم».