للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إذا عُرف هذا، فموسى صلوات الله عليه وسلامه أعرف بالله وأسمائه وصفاته من أن يلوم على ذنب قد تاب منه فاعله، واجتباه ربّه بعده وهداه واصطفاه، وآدم صلوات الله عليه وسلامه أعرف بربّه من أن يحتج بقضائه وقدره (١) على معصيته، بل إنما لام موسى آدمَ على المصيبة التي نالت الذرية بخروجهم من الجنّة، ونزولهم إلى دار الابتلاء والمحنة، بسبب خطيئة أبيهم، فَذَكر الخطيئة تنبيهًا على سبب المصيبة والمحنة التي نالت الذرية، ولهذا قال له: "أخرجتنا ونفسك من الجنة"، وفي لفظ: "خيبتنا"، فاحتج آدم بالقدر على المصيبة، وقال: إن هذه المصيبة التي نالت الذرية بسبب خطيئتي كانت مكتوبة مقدّرة قبل خلقي. والقدر يُحتج به في المصائب دون المعائب، أي: أتلومني على مصيبة قُدّرت عليّ وعليكم قبل خلقي بكذا وكذا سنة؟

هذا جواب شيخنا - رحمه الله - (٢).

وقد يتوجه جواب آخر: وهو أن الاحتجاج بالقدر على الذنب ينفع في موضع، ويضر في موضع، فينفع إذا احتُجَّ به بعد وقوعه والتوبة منه وتَرْك معاودته، كما فعل آدم عليه السلام، فيكون في ذكر القدر إذ ذاك من التوحيد ومعرفة أسماء الربّ وصفاته وذكرها ما ينتفع به الذاكر والسامع؛ لأنه لا يَدفع بالقدر أمرًا ونهيًا؛ ولا يُبْطِل به شريعة، بل يُخبر بالحق المحض على وجه التوحيد، والبراءة من الحول والقوة.


(١) "د": "وقدرته".
(٢) انظر: "درء التعارض" (٨/ ٤١٨ - ٤٢٠)، "مجموع الفتاوى" (٨/ ٣٠٣ - ٣٠٧) وغيرهما.