للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صومه؛ فإنما أطعمه الله وسقاه" (١)، فأضاف فعله إلى الله سبحانه لا إليه، فلم يكن له فعل في الأكل والشرب، فلم يفطر به.

قال السني: هذا موضع تفصيل لا يليق به الإجمال، فنقول: ما يصدر عن العبد من الأفعال ينقسم أقسامًا متعددة، بحسب قدرته وعلمه وداعيه وإرادته: فتارة يكون مُلجَأ إلى الفعل لا إرادة له فيه بوجه ما، كمن أَمْسَكْتَ يده وضرب بها غيره، أو أَمْسَكْتَ أصبعه وقلع بها عين غيره، فهذا فعله بمنزلة حركات الأشجار بالريح، ولهذا لا يترتب عليه حكم البتّة، ولا يُمدح عليه ولا يُذم، ولا يُثاب ولا يُعاقَب، وهذا لا يُسَمّى فاعلًا عقلًا ولا شرعًا ولا عرفًا.

وتارة يكون مُكْرَهًا على أن يفعل، فهذا فعله يضاف إليه، وليس كالمُلجَأ الذي لا فعل له.

واختلف الناس هل يقال: إنه فعل باختياره، وإنه مختار في فعله، أو لا يطلق عليه ذلك؟ على قولين، والتحقيق: أن النزاع لفظي؛ فإنه فعل بإرادة هو محمول عليها، مُكرَه عليها، فهو مُكرَه مختار: مُكرَه على أن يفعل بإرادته، مريد لفعل ما أُكرِه عليه، فإن أريد بالمختار من يختار من نفسه أن يفعل من غير أن يحمله غيره على الإرادة فليس المُكرَه بمختار، وإن أريد بالمختار من يفعل بإرادته وإن كان كارهًا للفعل فالمُكرَه مختار، وأيضًا فهو مختار لفعل ما أُكرِه عليه لتخلّصه به مما هو أَكرَهُ إليه من الفعل، فلما عرض له مكروهان: أحدهما أَكرَهُ إليه من الآخر اختار أيسرهما؛ دفعًا لأشقّهما، ولهذا يُقتَل


(١) أخرجه أحمد (١٠٣٦٩)، والبخاري (١٩٣٣)، ومسلم (١١٥٥) من حديث أبي هريرة.