للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن هذا الأصل الباطل نشأ قولهم باستواء الأفعال بالنسبة إلى الرب سبحانه، وأنها لا تنقسم في نفسها إلى حسن وقبيح، فلا فرق بالنسبة إليه سبحانه بين الشكر والكفر.

وكذلك قالوا: لا يجب شكره على نعمه عقلًا.

فعن هذا الأصل قالوا: إن مشيئته هي عين محبته (١)، وإن كل ما شاءه فهو محبوب له، ومرضي له، ومصطفى ومختار، فلم يمكنهم بعد تأصيل هذا الأصل أن يقولوا: إنه يبغض بعض الأعيان والأفعال التي خلقها، ويحب بعضها، بل كل ما فعله وخلقه فهو محبوب له، والمكروه المبغوض ما لم يشأه، ولم يخلقه.

وإنما أصّلوا هذا الأصل محافظة منهم على القدر، فجنوا به على الشرع والقدر، والتزموا لأجله لوازم شوّشوا بها على القدر والحكمة، وكابروا لأجلها صريح العقل، وسوّوا بين أقبح القبائح وأحسن الحسنات في نفس الأمر، وقالوا: هما سواء، لا فرق بينهما إلا بمجرد الأمر والنهي. فالكذب ــ عندهم ــ والظلم والبغي والعدوان مساوٍ للصدق والعدل والإحسان في نفس الأمر، ليس في هذا ما يقتضي حُسْنه، ولا في هذا ما يقتضي قُبْحه.

وجعلوا هذا المذهب شعارًا لأهل السنة، والقول بخلافه قول أهل البدع من المعتزلة وغيرهم، ولعمر الله؛ إنه لمن أبطل الأقوال، وأشدها منافاة للعقل والشرع، ولفطرة الله التي فطر عليها خلقه، وقد بيّنا بطلانه من أكثر من خمسين وجهًا في كتاب "المفتاح" (٢).


(١) "م": "عين مشيئته" سبق قلم.
(٢) "مفتاح دار السعادة" (٢/ ١٠١٧ - ١١٣٥)، وعدّتها: واحد وستون وجهًا.