للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والذي عليه أهل الحديث والسنة قاطبة، والفقهاء كلهم، وجمهور المتكلمين والصوفية: أنه سبحانه يكره بعض الأعيان والأفعال والصفات، وإن كانت واقعة بمشيئته، فهو يبغضها ويمقتها، كما يبغض ذات إبليس وذوات جنوده، ويبغض أعمالهم، ولا يحب ذلك، وإن وُجِد بمشيئته، قال الله تعالى: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [البقرة: ٢٠٥]، وقال: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [آل عمران: ٥٧]، وقال: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [لقمان: ١٨]، وقال: {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} [النساء: ١٤٨]، وقال: {لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ} [المائدة: ٨٧]، وقال: {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} [الزمر: ٧]، فهذا إخبار عن عدم محبَّته لهذه الأمور ورضاه بها بعد وقوعها.

فهذا صريح في إبطال قول من تأوّل هذه النصوص على أنه لا يحبها ممن لم تقع منه، ويحبها إذا وقعت، فهو يحبها ممن وقعت منه، ولا يحبها ممن لم تقع منه.

وهذا من أعظم الباطل والكذب على الله، بل هو سبحانه يكرهها ويبغضها قبل وقوعها، وحال وقوعها، وبعد وقوعها؛ فإنها قبائح وخبائث، والله منزّه عن محبة القبيح والخبيث، بل هو أكره شيء إليه، قال تعالى: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئَةً عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} [الإسراء: ٣٨].

وقد أخبر سبحانه أنه يكره طاعات المنافقين، ولأجل ذلك ثبّطهم عنها، فكيف يحبّ نفاقهم ويرضاه، ويكون أهله محبوبين له، مصطفين عنده مرضيين.