للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والمقصود: أنه لما انضم القول به إلى القول بأنه سبحانه لا يحب شيئًا ويبغض شيئًا، بل كل موجود فهو محبوب له، وكل معدوم فهو مكروه له، وانضم إلى هذين الأمرين إنكار الحِكَم والغايات المطلوبة في أفعاله سبحانه، وأنه لا يفعل شيئًا لشيء البتَّة، وانضم إلى ذلك إنكار الأسباب، وأنه لا يفعل شيئًا بشيء، وإنكار القوى والطبائع والغرائز، وأن تكون أسبابًا أو يكون لها أثر= انسدَّ عليهم باب الصواب في مسائل القدر، والتزموا لهذه الأصول الباطلة لوازم هي أظهر بطلانًا وفسادًا، وهي من أدلّ شيء على فساد هذه الأصول وبطلانها؛ فإن فساد اللازم من فساد ملزومه.

فإن قيل: الكراهة والمحبّة ترجع إلى المنافرة والملاءمة للطبع، وذلك محال في حقّ من لا يوصف بطبع ولا ملاءمة ولا منافرة!

قيل: قد دلّت النصوص التي لا تُدفع على وصفه تعالى بالمحبة والكراهة، فنفيُكم حقائق ما دلت عليه بالتعبير عنها بملاءمة الطبع ومنافرته باطل.

وهو كنفي كل مبطل حقائقَ أسمائه وصفاته بالتعبير عنها بعبارات اصطلاحية، توصّل بها إلى نفي ما وصف به نفسه، كتسمية الجهمية المعطلة صفاته تعالى: أعراضًا، ثم توصلوا بهذه التسمية إلى نفيها.

وسمّوا أفعاله القائمة به: حوادث، ثم توصلوا بهذه التسمية إلى نفيها، وقالوا: لا تحله الحوادث، كما قالت المعطلة: لا تقوم به الأعراض.

وسمّوا علوّه على خلقه واستواءه على عرشه، وكونه قاهرًا فوق عباده: تحيُّزًا وتجسيمًا، ثم توصلوا بنفي ذلك إلى نفي علوه على خلقه، واستوائه على عرشه.