للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حصلوا عليه من العذاب الأليم، وذَكَر عاقبة أهل الابتلاء ممن آمن به، وأطاع رسله، وجاهد نفسه وعدوه في دار الابتلاء بأنه هاديه وناصره.

فأخبر سبحانه أنّ أجلّ عطائه وأفضلَه في الدنيا والآخرة هو لأهل الابتلاء الذين صبروا على ابتلائه وتوكلوا عليه، وأخبر أن أعظم عذابه وأشدّه هو للذين لم يصبروا على ابتلائه وفرّوا منه، وآثروا النعيم العاجل عليه.

فمضمون هذه السورة هو سر الخلق والأمر، فإنها سورة الابتلاء والامتحان، وبيان حال أهل البلوى في الدنيا والآخرة، ومن تأمل فاتحتها ووسطها وخاتمتها وجد في ضمنها أن أول الأمر ابتلاء وامتحان، ووسطه صبر وتوكل، وآخره هداية ونصر، والله المستعان.

يوضحه الوجه الخامس والثلاثون: وهو أنه سبحانه أخبر أنه خلق السماوات والأرض ــ العالم العلوي والسفلي ــ ليبلونا أيّنا أحسن عملًا، وأخبر أنه زيّن الأرض بما عليها من حيوان ونبات ومعادن وغيرها لهذا الابتلاء، وأنه خلق الموت والحياة لهذا الابتلاء، فكان هذا الابتلاء غاية الخلق والأمر، فلم يكن بدّ (١) من دار يقع فيها هذا الابتلاء، وهي دار التكليف.

ولمّا سبق في حكمته أنّ الجنة دار نعيم لا دار ابتلاء وامتحان؛ جعل قبلها دار الابتلاء جسرًا يُعْبَر عليه إليها، ومزرعة يُبْذَر فيها، وميناء يُتَزوّد منها، وهذا هو الحق الذي خَلَق الخلقَ به ولأجله، وهو أن يُعْبد وحده بما أمر به


(١) «د»: «من بد»، والمثبت من «م» أشبه باستعمال المصنف لهذا الحرف.