للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

دون الله"، و"ما" لما لا يعقل، فلا يدخل فيها الملائكة والمسيح وعزير، وإنما ذلك للأحجار ونحوها التي لا تعقل.

وأيضًا فإن السورة مكية، والخطاب فيها لعبَّاد الأصنام، فإنه قال: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ} فلفظة "إنكم" ولفظة "ما" تبطل سؤاله، وهو رجل من فُصَحاء العرب لا يخفى عليه ذلك، ولكن إيراده إنما كان من جهة القياس والعموم المعنوي، الذي يعم الحكم فيه بعموم علته، أي: إنْ كان كونه معبودًا يوجب أن يكون حصب جهنم، فهذا المعنى بعينه موجود في الملائكة وعزير والمسيح، فأُجيب بالفارق، وذلك من وجوه:

أحدها: أن الملائكة والمسيح وعزيرًا ممن سبقت لهم من الله الحسنى، فهم سعداء لم يفعلوا ما يستوجبون به النار، فلا يُعذَّبون بعبادة غيرهم، مع بغضهم ومعاداتهم لهم، فالتسوية بينهم وبين الأصنام أقبح من التسوية بين البيع والربا، والميتة والمذكَّى، وهذا شأن أهل الباطل، وإنما يسوّون بين ما فرّق الشرع والعقل والفطرة بينه، ويفرّقون بين ما سَوَّى الله ورسوله بينه.

الفرق الثاني: أن الأوثان حجارة غير مكلفة ولا ناطقة، فإذا حُصِبَت بها جهنم إهانةً لها ولعابديها؛ لم يكن في ذلك تعذيب مَن لا يستحق العذاب، بخلاف الملائكة والمسيح وعزير، فإنهم أحياء ناطقون، فلو حُصِبَت بهم النَّار كان ذلك إيلامًا وتعذيبًا لهم.

الثالث: أن من عَبَدَ هؤلاء بزعمه فإنه لم يعبدهم في الحقيقة؛ فإنهم لم يدعوا إلى عبادتهم، وإنما عَبَدَ المشركون الشياطين، وتوهّموا أن العبادة لهؤلاء، فإنهم عبدوا بزعمهم مَن ادعى أنه معبود مع الله، وأنه معه إله، وقد برَّأ الله سبحانه ملائكته والمسيح وعزيرًا من ذلك، وإنما ادعى ذلك