للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذنوب، وأن الله سبحانه نقله من ذلك إلى ضدّ ما كان عليه، وأنعم بذلك عليه.

ولهذا ينبه سبحانه الإنسان على مبدأ خَلْقه الضعيف من الماء المهين، ثم نَقْله في أطباق خَلْقه وأطواره من حال إلى حال، حتى جعله بشرًا سويًّا، يسمع ويبصر ويعقل وينطق ويبطش ويعلم، فنسي مبدأه وأوله، وكيف كان، ولم يعترف بنعم ربه عليه، كما قال تعالى: {أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (٣٨) كَلَّا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ} [المعارج: ٣٨ - ٣٩].

وأنت إذا تأملت ارتباط إحدى هاتين الجملتين بالأخرى وجدتَ تحتهما كنزًا عظيمًا من كنوز المعرفة والعلم، فأشار سبحانه بمبدأ خلقهم {مِمَّا يَعْلَمُونَ} من النطفة وما بعدها إلى موضع الحجة والآية الدال على وجود الله ووحدانيته وكماله وتفرده بالربوبية والإلهية، وأنه لا يحسن به مع ذلك أن يتركهم سدى، لا يرسل إليهم رسولًا، ولا ينزل عليهم كتابًا، وأنه لا يعجز مع ذلك أن يخلقهم بعد ما أماتهم خلقًا جديدًا، ويبعثهم إلى دار يوفيهم فيها أعمالهم من الخير والشر، فكيف يطمعون في دخول الجنة وهم يكذِّبوني، ويُكذِّبون رسلي، ويعدلون بي خلقي، وهم يعلمون من أي شيء خلقتهم!

ويشبه هذا قوله: {نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ} [الواقعة: ٥٧]، وهم كانوا مصدقين بأنه خالقهم، ولكن احتج عليهم بخلقه لهم على توحيده ومعرفته وصدق رسله، فدعاهم منهم ومن خلقهم إلى الإقرار بأسمائه وصفاته وتوحيده وصدق رسله (١) والإيمان بالمعاد.


(١) من قوله: "فدعاهم" إلى هنا ساقط من "م"، انتقال نظر، وجملة: "منهم ومن خلقهم" لم يظهر لي وجهها في السياق، فلعلها تحرّفت عن: "هم ومَن خلفهم".