للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأخبر في الآية الأولى أنه زيَّن لهم ما على الأرض ليبتليهم به أيهم يؤثره على ما عنده فيكون حظه، أو يؤثر ما عنده عليه، وابتلى بعضهم ببعض، وابتلاهم بالنعم والمصائب، فأظهر هذا الابتلاء علمه السابق فيهم موجودًا عيانًا بعد أن كان غيبًا في علمه.

فابتلى أبوي الإنس والجن كل منهما بالآخر، فأظهر ابتلاء آدم ما علمه منه، وأظهر ابتلاء إبليس ما علمه منه، فلهذا قال للملائكة: {إِنِّيَ أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: ٣٠].

واستمر هذا الابتلاء في الذرية إلى يوم القيامة، فابتلى الأنبياء بأممهم، وابتلى أممهم بهم، وقال لعبده ورسوله وخليله: "إني مبتليك ومبتلٍ بك" (١)، وقال: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الأنبياء: ٣٥]، وقال: {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً} [الفرقان: ٢٠].

وفي الحديث الصحيح (٢) أن ثلاثةً أراد الله أن يبتليهم، أبرص وأقرع وأعمى، فأظهر الابتلاء حقائقهم التي كانت في علمه قبل أن يخلقهم.

فأما الأعمى فاعترف بإنعام الله عليه، وأنه كان أعمى فقيرًا، فأعطاه الله البصر والغنى، وبَذَل للسائل ما طلبه شكرًا لله.

وأما الأقرع والأبرص فكلاهما جحد ما كان عليه قبل ذلك من سوء الحال والفقر، وقال في الغنى: إنما أوتيته كابرًا عن كابر.

وهذا حال أكثر الناس، لا يعترف بما كان عليه أولًا من نقص وجهل وفقر


(١) أخرجه مسلم (٢٨٦٥) بمعناه من حديث عياض المجاشعي.
(٢) أخرجه البخاري (٣٤٦٤)، ومسلم (٢٩٦٤) من حديث أبي هريرة.