للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هم إليه صائرون، ثم أخرجهم إلى هذه الدار ليظهر معلومه الذي علمه فيهم كما علمه، وابتلاهم من الأمر والنهي والخير والشر بما أظهر معلومه، فاستحقوا المدح والذم، والثواب والعقاب بما قام بهم من الأفعال والصفات المطابِقة للعلم السابق، ولم يكونوا يستحقون ذلك، وهي في علمه قبل أن يعملوها، فأرسل رسله، وأنزل كتبه، وشرع شرائعه إعذارًا إليهم، وإقامة للحجة عليهم؛ لئلا يقولوا: كيف تعاقبنا على علمك فينا، وهو لا يدخل تحت كسبنا وقدرتنا؟ فلما ظهر علمه فيهم بأفعالهم حصل العقاب على معلومه الذي أظهره الابتلاء والاختبار.

وكما ابتلاهم بأمره ونهيه ابتلاهم بما زيَّنَه لهم من الدنيا، وبما ركَّب فيهم من الشهوات، فذلك ابتلاء بشرعه وأمره، وهذا ابتلاء بقضائه وقدره، قال تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الكهف: ٧]، وقال تعالى: {الَّذِي (١) خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك: ٢]، وقال: {وَهْوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [هود: ٧]، فأخبر في هذه الآية أنه خلق السماوات والأرض ليبتلي عباده بأمره ونهيه، وهذا من الحق الذي خلق به خلقه، وأخبر في الآية التي قبلها أنه خلق الموت والحياة ليبتليهم أيضًا، فأحياهم ليبتليهم بأمره ونهيه، وقدّر عليهم الموت الذي ينالوا (٢) به عاقبة ذلك الابتلاء من الثواب والعقاب.


(١) "د" "م": "هو الذي".
(٢) كذا في "د" "م": "ينالوا" بحذف النون دون أداة خفض أو نصب.